فصل: الزواجر الاجتماعية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المعجزة الكبرى القرآن



.الزواجر الاجتماعية:

205 - هذا هو القسم الرابع من الأحكام التي اشتمل عليها القرآن الكريم، وقد شرع القرآن من العقوبات الرادعة ما تتطهر به المجتمعات من الرذيلة، وتتجه ناحية الفضيلة، ويتحقق الخير في كل مظاهر الحياة خاليًا من أدران الشر.
والعقوبات في الإسلام قسمان: عقوبات مقدرة، وعقوبات غير مقدرة، والعقوبات المقدرة تعد أعلى العقوبات في نوعها، وغير المقدرة تعد دون الأعلى، وقد تولى القرآن الكريم بيان أكثر العقوبات المقدرة، والعقوبات غير المقدرة ترك تقديرها للقاضي أو ولي الأمر إن رأى أنّ يقيد القضاة، فالإسلام يذكر الحد الأعلى للعقوبة، وترك للقاضي ما دونها على ما قررنا.
والعقوبات المقدرة قسمان: قسم من حقوق العباد واضحة، كالقصاص، وقسم كان لحماية المجتمع من شروره، وحق العباد ليس في وضوح الأول.
وفي الأول كان للمجني عليه وأوليائه حق العفو، كما سنبين، أما الثاني فلا عفو فيه؛ لأنه حق الله تعالى.
وأول نص في العقوبات التي كانت لحق العبد أو حق العبد فيها أوضح من غيره، عقوبة القصاص، وهي عقوبة تومئ إليها الفطرة؛ لأن العقوبة مساوية للجريمة ومن جنسها، وقد نصَّ عليها في القرآن في عدة آيات، منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ، وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 178 - 179].
وفي هذه الآية نجد القصاص في الأنفس، وآية أخرى تعمّم القصاص في الأنفس والأطراف، بل الجروح، ويقول سبحانه وتعالى - في ذلك مبينًا ما كان في التوراة، وهو في الشرائع السماوية كلها: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 44، 45].
وهذه الآيات الكريمات تدل - أولًا - على أنَّ القصاص شريعة النبيين أجمعين، طبقه النبيون على الذين هادوا، وطبقه من بعدهم الربانيون والأحبار، ويطبقه أهل الإيمان من أمة محمد كما قال سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48].
وإن هذا النص الكريم يدل - أولًا - على وحدة الشرائع السماوية فيما يتعلق بالقصاص، فهو شريعة عامَّة مشتقة من الفطرة الإنسانية، فهي عقوبة طبيعية لا مراء فيها.
وتدل - ثانيًا - على أنَّ القصاص كما يقع في الأنفس؛ لأن فيه حياة الجماعة آمنة مطمئنة، يقع أيضًا على الأطراف؛ لأن فيه حفظ سلامة الإنسان ومنع التشويه؛ إذ إن التشويه الإنساني يكثر إذا لم يكن عقاب رادع يجعل الجاني عندما يقدم على جريمته يتوقع أن يقع عليها مثلها، وذلك أمنع للجريمة، كما قرَّر بعض علماء القانون الذين درسوا النفس الإنسانية في الآحاد والجماعات.
وتدل - ثالثًا - على أنَّ الجروح يجري فيها القصاص ما أمكن، وقد استنبط من هذه بعض الفقهاء أنَّ القصاص يجري في اللطم والضرب بالسوط وغيره.
وتدل - رابعًا - على أنَّ في الترغيب في العفو إبعادًا لإحن القلوب، وتقريبًا للنفوس، ولذلك اعتبر العفو في موضعه من غير تشجيع للجريمة صدقة، وقال سبحانه وتعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ}.
وإن القصاص في موضعه إحياء للنفس المجني عليها، وإحياء للجماعة، وهو القضاء على الأحقاد والضغائن المستكنة في القلوب إن لم يكن سبيل لردعها، فقد قال تعالى بعد أن اعتدى قابيل على أخيه هابيل شفاءً لغيظه وحسدًا وحقدًا: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32].
وإن هذا يدل على أن القصاص إحياء للنفوس وتهذيب للجماعة.
206 - وإن القصاص فيه حفظ للنفس، فإن حفظ النفس يقتضي حفظ الأطراف وحفظ كل الأجزاء، وهو حق للعباد؛ لأنه عقوبة اعتداء مباشر عليهم، ولذلك كان قابلًا للعفو، كما ذكرنا وكما تلونا.
وأما حقوق الله أو حقوق المجتمع، كما يجري التعبير في هذا الزمان، فإن العقوبة المقررة فيها تختص بخاصيتين، إحداهما: إنَّها حماية للفضيلة، وحماية للمجتمع من أن تتغشاه الرذائل، والخاصية الثانية: إنَّها غير قابلة للعفو؛ لأنها إصلاح ليس فيه أيّ معنى من معاني الانتقام أو شفاء الغيظ، كما هو الحال في الدماء؛ ولأن إقامة الحدود عبادة، وهي العقوبات المقررة للمجتمع، فيُعَدُّ عبادة، فإذا كان العفو في القصاص يعد أحيانًا صدقة كما عبَّر القرآن الكريم، فإقامة الحدود من ولي الأمر القائم على رعاية مصالح المجتمع، وإقامة الفضائل ومحاربة الرذائل تعد عبادة، بل هي أعلى العبادات بالنسبة له، وأيّ عبادة أعلى من تطهير المجتمع من الشر.
وإن الحدود شرعت محافظة على المصالح المقررة الثابتة، وهي المحافظة على النفس وأمنها، والمحافظة على النسل، والمحافظة على العقل، والمحافظة على المال.
وأشد الحدود تكون لأقصى أنواع الاعتداء، وهو الاتفاق على الجرائم التي يكون فيها اعتداء على النفس وعلى المال، بل وعلى الأعراض والعقول، وهو ما يسمَّى حد الحرابة.
والحرابة اتفاق طائفة من المجرمين على الخروج على الجماعة، بارتكاب مفاسد من أنواع الاعتداء المختلفة من قتل أو اغتصاب أموال، وارتكاب جرائم أخرى كما قرَّر الإمام مالك في تفسير معنى الحرابة، وقد سمَّاهم القرآن الكريم محاربين، لأنهم يحاربون الأمن والنظام بقوة يدَّرَّعون بها، وقد قال الله تعالى فيها: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 33، 34].
ونلاحظ في النص الكريم أمورًا ثلاثة:
أولها: إنَّ الآية الكريمة سمَّتهم محاربين لله ورسوله؛ ذلك لأنهم يحاربون أحكام الشرع، وينتقضون على الحكم المنفذ لأحكام الله تعالى ورسوله الحكيم - صلى لله تعالى عليه وسلم، وسمَّاهم ساعين في الأرض بالفساد؛ لأن معاندة الشرع والإخلال بأحكامه ومحاربة الفضائل وإزعاج الناس وقطع الطريق عليهم هو عين الفساد.
وثانيها: إنَّ العقوبة هي التقتيل أو القتل، أو القتل والصلب، ليكونوا عبرة لغيرهم، أو قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو تفريق جمعهم، ونفيهم من الأرض بإبعادهم حيث لا يستطيعون أن يجتمعوا.
وقد قرَّر مالك من بين الفقهاء أنَّ ولي الأمر مخيّر في هذه العقوبات يختار منها ما يناسب حالهم.
ثالثها: إنَّ الجريمة الأساسية في اجتماعهم واتفاقهم مع قوة تمكنهم من جرائمهم، فإن تابوا من تلقاء أنفسهم، فقد ذهب أصل الجريمة وهو الاتفاق الجنائي، والخروج بقوة لتنفيذه، وما داموا قد تابوا فقد عدلوا عن الارتكاب، وهو جريمة مستمرة، فإذا أنهوها، لا تستمر عقوبة الحد.
ولكن يحاسبون على ما ارتكبوا قبل التوبة، وللفقهاء كلام طويل في هذا، وفي توزيع العقوبات على الجرائم، فليرجع إليه في كتب الفقه، ففيها ما يشفي غلة الصادي المتطلع.
ومن الناس من يلهجون باستغلاظ هذه العقوبة، ويحسبون آثمين أنها ليست إنسانية، وأولئك ينظرون إلى العقوبة ولا ينظرون إلى الجناية، ويرحمون الجاني ولا يرحمون المجني عليه، والمجني عليه هنا الجماعة، أولئك يخرجون بقوة واتفاق، لا ليقيموا حقًّا أو يخفضوا باطلًا، بل لمجرد أذى الجماعة، وينتهكون كل حركة، يقطعون الطريق على السابلة، ويزعجون الجماعة، فلا بُدَّ أن تكون العقوبة كفاءً لما يرتكبون ورادعة، والعدالة الإنسانية توجب المساواة بين مقدار الجريمة ومقدار العقاب، وكلما عظمت الجريمة كان لا بُدَّ من عقوبة تناسبها، وكما قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: «من لا يرحم لا يُرْحَم»، وذلك هو منطق العدل، ومنطق العقل.
ولو أنَّ تلك العقوبة عوقبت بها العصابات المخرّبة التي لا تبقي على شيء إلَّا انتهكت حرماته، ولها ميزانية من السرقات تبلغ أحيانًا ميزانية الولاية أو الدولة التي تكون فيها، {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.
207 - وإنَّ الجريمة التي تقترب من جريمة الحرابة جريمة السرقة، بيد أنهما يفترقان، فالسرقة أخذ المال في خفية من حرز مثله، بينما الحرابة أخذ المال بقوة لا يلاحظ فيها الاختفاء، ولكن يلاحظ الأمن من الاستغاثة وإجابة المستغيث، فهي في خفاء عن المجتمع، لا في خفاء عن صاحب المال، ويفترقان في أن هذه جماعية تخرج بقوة تقاوم قوة الدولة، ويفترقان في أنَّ الحرابة تتعدد فيها أنواع الجرائم، والسرقة لا تتعد فيها أنواع الجرائم، ولذلك تتعدد فيها العقوبة.
ويتفقان في أمرين: أحدهما: إن في الجريمتين إفزاع الناس وإزعاج الآمنين، فلا يأمن أحد على نفسه أو ماله، ويتفقان أيضًا في أنَّ التوبة تقبل من قطّاع الطريق قبل القدرة عليهم، وتقبل في السرقة على قول كثيرين من الفقهاء، وهذا يتفق مع نص القرآن الكريم.
وعقوبة السرقة نص عليها في قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 38، 39].
وقد اشترط في التوبة في هذه الحال أن يصلح لا أن يتوب بلسانه، ولا شك أنه إذا سرق من بعد التوبة فإنه تقطع يده.
ولهذا التشابه بين السرقة والحرابة قالوا: إن الحرابة هي السرقة الكبرى، وتلك التسمية صحيحة، وإن كان معها جرائم القتل.
وقد يقول الذين يرحمون المجرم ولا يرحمون الآمن معترضين على ذلك متعللين بأمرين:
أحدهما: إن العقوبة ليست متكافئة مع الجريمة مهما يكن نصاب السرقة، فهل تقطع يد في سرقة عشرة دراهم أو ربع دينار كما قال الإمام مالك، ويرددون قول أبي العلاء:
يد بخمس مئين عسجد وديت ** ما يالها قطعت في ربع دينار

والثاني: إنَّ العقوبة في ذاتها غليظة تكثر من المشوهين الذين تفذى الأعين برؤيتهم.
ونجيب عن الأمرين، فنقول في الإجابة عن الأمر الأول: إنه ليس التساوي بين العقوبة في الحدود بين الفعل والعقاب، إنما التساوي بين العقاب وآثار الجريمة، فبالنسبة للسرقة لا يكون التساوي بين المال الذي سرق وبين قطع اليد، إنما ينظر إلى الإفزاع وإزعاج الآمنين في سرقة تقع في حيّ أو قرية، فكم من حراس يقومون، وكم من مغالق يحترس بها من السارقين، فجريمة السرقة ليست آثارها واقعة فقط على المسروق منه، بل تتعداه إلى كل من يكونون معه في الحياة.
والجواب عن الأمر الثاني: إنَّ هذه العقوبة لا تقع إلَّا إذا كان التكرار؛ إذ إنه إذا سرق ابتداء وتاب وأصلح، ولم يعد يسرق، فلا تقطع يده.
وإن قطع يد واحدة تمنع السرقة، فلا يكون ثمَّة من بعد ما يوجب القطع، وهناك دولة عربية تقيم حدّ السرقة، لا تقطع في العام يدًا أو اثنتين، فالقطع يمنع سبب القطع.
وفوق ذلك، فإن القطع لا يكون إلا حيث تنتفي الشبهات، فالشبهات تسقط الحدود، وإن عدد السرقات التي تنتفي فيها الشبهات، ويجب فيها الحد يقدَّر بنحو خمسة في الألف من السرقات التي تقع، ومن الشبهات التي اعتبرها السلف أن يكون السارق في حال جوع أو مظنّة جوع، كأن يكون ثمَّة مجاعة، فإنه لا يقام الحد للشبهة، كما فعل الإمام عمر عام المجاعة.
وعلى الذي يستغلظون عقوبة السرقة في الحدود التي بيَّنَّا أن يبينوا لنا كم من السرقات قطعت فيها أيدي نساء ورجال لأجل الوصول إلى غاية السارق، وكم من النفوس أزهقت في السرقات بالإكراه، أو في إخفاء الجريمة وعدم معرفتها.
إنكم إن وازنتم بين هذه الجرائم التي ترتكب في سبيل السرقة وجدتم أن قطع اليد لا يساوي في عدده عشر معشار هذه الجريمة، واعتبر ذلك بالبلاد التي طبّقت حد السرقة، فإن الأيدي التي تقطع في البلاد كلها لا يتجاوز إن تواضعنا عدد أصابع اليد.
لقد عجزت القوانين من علاج جريمة السرقة، فهلَّا نستعين بحكم الله تعالى، ولكن آفة الجماعات في هذه الأيام أولئك الذين تذهب أنفسهم حسرات على المجرمين، ولا تنظر نظرة عطف على الذين كانوا فريسة للعابثين والمجرمين، وذلك فساد منطقي غريب، ومع ذلك يعدون أنفسهم اجتماعيين.